دفع الافتئات بجواز الجلوس للتعزية والقراءة للأموات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى ، ولا سيما رسوله المصطفى ، وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والنهى وبعد :
فهذه كلمات مضيئة عن حكم الجلوس للتعزية مما اعتاده الناس للفاضل الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك .
وقد ألحقنا بها بعض ما يتصل بهذا الموضوع من حكم قراءة القرآن الكريم عند القبر ، والاجتماع لقراءته ، وإهداء ثوابه للأموات ، وكذا سائر القرب التي تدخلها النيابة .
ويجد القارئ في كلام ابن قدامة استشهادا بحديث قراءة سورة يس عند القبر ، وهو ضعيف والمعول عليه في كلام ابن قدامة ما ذكر قبل الحديث ، على أن ما ذكر عن ابن عمر والشافعي وأحمد وجماعة من السلف فيه غنية للمستفيد .
وأيد هذا المذهب وانتصر له ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، فالتشغيب بعد ذلك عبث لا فائدة فيه . والله أعلم
( عيسى بن عبدالله بن مانع الحميري )
بسم الله الرحمن الرحيم
( الجلوس للتعزية )
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وآله وصحبه وبعد :
فقد استشكل بعض الناس ما تعارف الناس عليه من جلوس أهل الميت واجتماعهم في مجلس يجمعهم لاستقبال المعزين في وفاة فقيدهم ، هل هو جائز أو محرم ؟
فأردت أن أبين هذه المسألة ليكون المسلم على بصيرة من دينه . فأقول :
إن الجلوس للتعزية مكروه (1) عند الحنابلة على المعتمد (*)
وعند الشافعية (**) مكروه كراهية تنزيه (2)
وعند الحنفية لا بأس به (3)
وقد أجازه المالكية (4) وهي رواية الخلال عن الإمام أحمد حيث قال : سهل الإمام أحمد في الجلوس إليهم في غير موضع (5) .
والقول بالجواز يدل عليه ما رواه الإمام البخاري في الجنائز ( باب من جلس عند المصيبة )
وأبوداود في الجنائز من سننه في ( باب الجلوس عند المصيبة ) وفي نسخة ( باب من جلس في المسجد وقت التعزية ) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : لما قتل زيد بن حارثة وجعفر وعبدالله بن رواحة جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد يعرف فيه الحزن .
فأنت ترى الإمام أبا داود جعل عنوان الباب بلفظ صريح في الجلوس وقت التعزية ولذلك قال الحافظ ابن حجر في الفتح : "وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا جواز الجلوس للعزاء بسكينة ووقار" انتهى (6) .
ثم إن تعزية أهل الميت مقصد شرعي واجتماعهم في بيت واحد وسيلة يتحقق بها هذا المقصد ، والقاعدة عند الفقهاء أن الوسائل تتبع المقاصد في أحكامها فوسيلة المحرم محرمة ووسيلة الواجب واجبة ، وكذلك بقية الأحكام الشرعية .
أما القول بأن الجلوس بدعة فلا أعلم أحدا نص عليه من أهل العلم ، وكيف يكون الجلوس بدعة وقد جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بل لا يصدق عليه تعريف البدعة التي هي كما قال الإمام الشاطبي في الاعتصام ( طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية ) (7) .
نعم إن هذا التعريف يصدق على معنى آخر نص العلماء على أنه بدعة وهو أن يصنع أهل الميت طعاما ويجمعون الناس عليه ، وإنما كان بدعة لأن السنة أن يصنع الناس لأهل الميت الطعام . فمن ترك هذه السنة وأحدث طريقة كان مبتدعا ، فقد نص الإمام النووي رحمه الله على أنه بدعة غير مستحبة (8) . وقال ابن تيمية فيما نقله عنه الشيخ عبدالرحمن بن قاسم : جمع أهل المصيبة الناس على طعامهم ليقرؤوا ويهدوا له ليس معروفا عند السلف وقد كرهه طوائف من العلماء من غير وجه (9) .
وعليه فمن جلس للعزاء فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى ومن ترك الجلوس لا ينكر عليه ، لأن المسألة من مسائل الخلاف التي تتسع لها الصدور المؤمنة ولا تضيق . ولأن الإنكار في مثل هذه المسألة ليس من عمل السلف الصالح وإنما هو أمر محدث أحدثه الناس في الأزمان المتأخرة .
فعلى طلبة العلم أن ينتزعوا هذا الإنكار المحْدَث من مجتمعاتهم ، وأن يعيدوا الناس إلى ما كان عليه السلف الصالح من عدم الإنكار في مسائل الخلاف ، والحمد لله رب العالمين .
( قيس بن محمد آل الشيخ مبارك )
يتبع إن شاء الله ،،،،،
-------------------------
(1) الإنصاف 2/565
(*) وقال بعض الحنابلة : إنما المكروه البيتوتة عند أهل الميت وأن يجلس إليه من عزى مرة ، أو أن يستديم المعزي الجلوس زيادة كثيرة على قدر التعزية . انظر كشاف القناع 2/160
(**) كراهة الجلوس للتعزية هو نص الشافعي وسائر الأصحاب ، وهو في الجلوس المجرد كما هو ظاهر عباراتهم ، أما ما نراه من جلوس المعزين لقراءة القرآن أو الاستماع إليه ، فلم نر من نص على كراهته ، بل الدليل يشير إلى ندبه .
(2) الأذكار للنووي
(3) رد المحتار 1/603
(4) الشرح الصغير 2/66 ، مواهب الجليل 2/230
(5) الإنصاف 2/565
(6) فتح الباري 3/131
(7) الأذكار 198
(8) الاعتصام 27
|