فرسا امرئ القيس و علقمة
إن امرئ القيس حين هرب من المنذر بن ماء السماء صار إلى جبلى طيء ..أجأ و سلمى، فأجير ثم، و تزوج بسيدة منهم هي أم جندب قال فيها قصيدته التي لولا لاميته لكانت من المعلقات وفيها :
خليلي مرا بي على أم جندب
------تقضى لبانات الفؤاد المعذب
إن أم جندب الطائية كانت واحدة من الذين يفهمون منطق الشعر، وقد رأت زوجها يقبل على عشيرتها بشاعريته، ويريد أن يخرس علقمة، فقالت كلمتها التي جعلت علقمة يخلف عليها بعد امرئ القيس..وراء ذلك قصة طريفة تقول إن أم جندب رغبت في زوجها ليلة فأيقظته مرة و مرة، و هو لا يقوم، حتى إذا طلع الصباح صاح فيها : ما الذي حملك على ما صنعت ؟ أجابت : حملني أنك ثقيل الصدرة،خفيف العجزة !
وأتبعت حديثها بكلام طويل أساء إلى الشاعر، فلما أقبل علقمة، وتذاكرا الشعر تحاكما إلى أم جندب أيهما أشعر، و امرؤ القيس يظن أنها تسترضيه إذاحكمت بعد أن جرحته فأنشد :
"خليلي مرا بي على أم جندب"
ولما انتهى من إنشادها انبرى علقمة يقول على الروي نفسه، و القافية، في وصف الخيل :
"ذهبت من الهجران في غير مذهب"
ففضلته أم جندب، فقال امرؤ القيس : بم فضلته علي ؟
فقالت : فرس ابن عبدة أجود من فرسك،فقد سمعتك زجرت و ضربت و حركت في قولك :
فللساق ألهوب، وللسوط درة
------و للزجر منه وقع أهوج منعب
وأما فرس علقمة فنشيط لا يحتاج إلى إهاجة،وينصب في العدو انصباب الريح، يجري خلف الصيد و لجامه منثن، ألم تره يقول :
فأدركهن ثانيا من عنانه
------يمر كمر الرائح المتحلب
وكان على ما حدثت قد ثار فطلقها، و انصرف كسيفا، ولكن أبياته ذاعت، ولم بذع أبيات علقمة. وبعد أن دعا خليلية ليقضى لبانات الفؤاد، واللبانات جمع لبانة، وهي الحاجة قال :
فإنكما إن تنظراني ساعة *** من الدهر ينفعني عند أم جندب
ألم ترياني كلما جئت طارقا *** وجدت بها طيبا، وإن لم تطيب
عقيلة أتراب لها..لا دميمة *** و لا ذات خلق إن تأملت جأنب
فهي خير أترابها، أو هي كريمتهن،و أما الجأنب فالغليظة اللحم القصيرة، فكأنما أراد أن يقول : إنك إذا تأملتها رأيتها غير دميمة و لا جافبة الخلق، و إنه إذا كان يرضاها فلأنها لا تشق على الناظر قط..فهو خبير و إن يكن قد وصف على لسانها بأنه سريع الهراقة بطئ الإفاقة، فالأمر لا يعدو جفوة أعقبت دعوتها له، و تغلب النوم عليه.
بتصرف بسيط عن د. أحمد كمال زكي – أعلام العرب 18- الأصمعي
|