قولٌ على قول - الحديث ذو شجون .
قول على قول - الحديث ذو شجون
هذا باب مفتوح لشؤون الحديث الأدبي يسلكها كما تتيسر له من فن لآخر سواء في ذلك الأخبار أو المناسبات التي قيلت فيها الأبيات أو ما جاء في معناها أو ما تعلق بها من نحو وصرف وبلاغة وعروض أو ما روي عنها من خبر مأثور أو ماسوى ذلك. ليكون سياحة أدبية وثقافية شاملة.
وأبدأ ذلك بعد التوكل على الله بهذه الأبيات وهي عن زيارة الطيف في المنام،
يقول البحتري من قصيدة في مدح الفتح بن خاقان:
كيف اللقاءُ وقد أضحت مخيِّمةً
...................بالشامِ لا كثَباً منّا ولا صددا
تَهاجُرٌ أَمَمٌ لا وصْلَ يخلطُهُ
...................إلا تزاورُ طيفينا إذا هجدا
وقد يُزيرُ الكرى من لا زيارتُهُ
...........قصْدٌ ويُدني الهوى من بعدِ ما بَعُدا
الكَثَب، الأَمَمُ : القرب، الصّدد : ما استقبلك ودنا منك،
الطّيف : الخيال لا سيما في النوم
ويحضرني هنا بيتان نسيت قائلهما (من يعرفه يعرِّفه مشكورا):
ولما انتبهنا للخيال الذي سرى
..................إذا الدارُ قفرٌ والمزارُ بعيدُ
فقلت لعيني عاودي النومَ واهجعي
..................لعلّ خيالا طارقا سيعودُ
والبيت الذي أوردته بين مزدوجين في قصيدة (يومٌ مضى) سمعته نصا أو معنى -لا أذكر - وعلق بالذاكرة دون قائله فمن عرف قائله يتفضّل عليّ به مشكورا.
والبيت هو :
((لو كنت أعلم أن الحُلْمَ يجمعنا
.....................لكنت أغمضتُ طول العمر أجفاني))ومن جميل ما ورد في هذا الباب قول التهامي:
هل أعارت خيالك الريح ظهرا
.............فهو يغدو شهرا ويرتاحُ شهرا
زارني في دمشقَ من أرضِ نجدٍ
............لك طيفٌ سرى ففكّك أسرى
وأراد الخيالُ لثمي فصيّرْ
.............تُ لثامي دون المراشفِ سِتْرا
واختلسنا ظباءَ نجدٍ بأرض الشـْ
.............ـشامِ بعد الرّقادِ بدْرا فبدرا
فاصرفي الكأس من رُضابك عني
................حاشَ لله أن أُرَشّفَ خمرا
قد كفاني الخيالُ منكش ولو زُرْ
........تِ لأصبحتِ مثلَ طيفِكِ ذكرى
ولأبي فراس الحمداني مطلع إحدى قصائده
كيف السبيلُ إلى طيفٍ يُزاوِرُهُ
................والنومُ، في جملة الأحباب هاجرهُ
وقد لفتت انتباهي كلمة يزاوره، فالمألوف أن يقول الشعر (زار الطيفُ) أما هذا الفعل الذي يفيد المشاركة بمعنى سعي الشاعر والطيف كل لزيارة الاخر فهو معنى أراه فريدا في حسنه، يفسره ويؤكده العجز، فالنومُ هاجر له وهو بسعيه للنوم فكأنه يسعى للطيف، الذي يسعى له بدوره، هذا بالإضافة إلى تحقيق اللفظ للتصريع بين شطري البيت بتجانس (يزاوره) و( هاجره) .
وانظر إلى روعة المتنبي في إعجاز وإيجاز بيته من قصيدته التي مطلعها
دمْعٌ جرى فقضى في الربْعِ ما وجبا
................لأهله وشفى أنّى ولا كرَبا
بيته الذي يقول فيه:
دارُ المُلِمِّ لها طيفٌ تهدّدني
.....................ليلا فما صدقت عيني ولا كذبا
(والشرح لعبد الرحمن البرقوقي)
دار الملم لها طيف : أي هذا الربع هو دار التي ألمّ طيفٌ لها، فدار: خبر مبتدأ محذوف واللام في الملم بمعنى التي ، وطيف فاعل ملم ولها حال مقدمة من قوله طيف. يقول: إن هذا الربع هو دار المرأة التي زارني لها طيف. أوعدني ليلا، أي هددني بالهجر فما صدقت عيني لأنها رأت خيالا لأن ذلك كان رؤيا، ولا كذب الطيف في تهديده لأنه ه جرني بعد ذلك، إذ لم أنم بعدها.
|