مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 16-05-2001, 05:08 PM
منصور آل سيف ونجيبة السيد منصور آل سيف ونجيبة السيد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2001
المشاركات: 3
Post قصة قصيرة

لن أكون لكِ عبداً

أحس بالبرد يقرس عظامه ، فصحا من غفوة لا يدري منذ متى بدأت وإلى أي مدى امتدت ، أفاق بعينين ذابلتين لا تريان إلا أشباحاً مبهمة ، تقرفص على نفسه ، ازداد إحساسه بقسوة البرد ، ركز نظراته في سحابة الأشباح حوله ، لكن الظلام يكبس بؤبؤ عينيه في دائرة معينة لا يستطيع تجاوزها ، أما فكره فيسبح في بحرٍ غزير غامض ، ترى ما الذي جاء به إلى هذه البقعة؟ وكيف؟ وأين كان قبل هذا ؟ وإلى أين سيمضي بعدها ؟
أسئلة حائرة لا يجد لها جواباً ، كل ما يعرفه أنه الآن هنا في هذا المكان المجهول الذي لايرى فيه سوى الظلام ورتلٍ من الأشجار تطل عليه بأشباحٍ من أغصانها المتشعبة فتغزو نفسه بأحاسيس الخوف والوحشة، ولا يسمع سوى خرير ماء جار ، ونقيق ضفادع يخبو ثم يعلو ، يضعفه السهاد ثم يقوى ، مترافقاً مع أنفاس كثيرة مبهمة لكن متناغمة تنبئ عن نوم رتيب للطبيعة حوله .
الإحساس بالبرد والخوف يطاردان فكره ، تسيطر على أنفاسه هواجس كثيرة ، ومخاوف عدة ، البحث عن الدفء ، والحصول على مأوى ، والخوف من المجهول ، والتفكير في القادم ، وتوقع كل شيء ، يزداد تقرفصه على نفسه ، ويسبح في ذاته باحثاً عن علامات الماضي الذي جاء منه والمستقبل الذي لابد أن يحلّق إليه ، لكنه لا يجد سوى ظلال اللحظة الحاضرة ، يبحلق في اللحظة الحاضرة فيرى نفس الأشباح تهيم في سحابه الظلام .
استيقظت الشمس بعد طول سبات ، تثاءبت فخرج زفيرها سحابه من الضوء ساقت ظلمه الليل بعيداً ، وعرّجت بلحظات الفجر الندي ، وتمغطت فنشرت شعاعات فجرها في بقاع الجزيرة .
عينا وحيد تلتقطان كل ما يبزغ عن ستار الظلام المنحسر ، وفكره يحاول أن يهضم ما يراه ، يا له من مكان بديع ، جزيرة محاطة بسياج من الأشجار والنخيل والغابات ، تمتد في الأعلى كأنها في عشق مع السماء ومناجاة طويلة ، وبساط من الحشيش الأخضر يكسو ترابها ويمتد من الأرداف والخصر لينسدل على رجليها المبسوطتين متشعباً متسعاً كأنه فستان حسناء فاتنة ثم يتلاشى في البحر ليبقى ظلاله في وجه البحر يهتز مع اهتزازات الماء ويصفو مع صفائه ويشع حين تغازله الشمس بأشعتها الفضية ويحمرّ حين تنعس عين الشمس وتأذن بالرحيل .
مشى وحيد مستطلعا ً، معدته الخاوية تسرع به الخطى نحو الأغصان التي تحمل ثماراً متنوعة ، كلما سطت رجلاه على بقعة أحس فيها بلون جديد من الحياة ، فالطيور كثيرة والحشرات منتشرة في الأجواء ، والحشائش الخضراء ساحة يانعة تفترشها الدواب الصغيرة .
الرغبة في الاكتشاف ، والخوف من المجهول ، وشعور فطريِ بالحاجة إلى توفير أسباب الحياة إلى نفسه من مأوى يلوذ إليه من حر الشمس ولفح الهجير ووابل السماء وبرودة الليل ، وملبس ومأكل ، كلها تدفع خطواته نحو أرجاء الجزيرة المتناثرة ، يرى الجزيرة ملأى بالخيرات والموارد الطبيعية لكنها جميعاً بحاجة إلى يد تستصلحها وتهيؤها للاستخدام البشري ، إنه يشغل نفسه بالعمل ليتناسى ولو حيناً بعد حين وحدته التي تنشب أظافرها في نفسه وَمن مِن أبناء آدم يطيق الحياة وحيدا ً، ولكنه مضطر لأن يمضي حياته بهذا الشكل مستأنساً بأصوات الطيور التي تهجع حين غروب الشمس إلى رقاد زوجي أليف فتعمق إحساسه بالوحدة وتزيده استثقالاً لها ، وتلجئه إلى الرقاد هارباً من ذاته وهواجسه ، وحين الرقاد يجلو له شعور بالفراغ والعدم واللاوجود رغم أن أنفاسه تعلو وتهبط وقلبه في دقات منتظمة رتيبة .
في صحوة من الشمس ، خرج وحيد من كوخه الصغير ، كان يمشي على غير هدى كعادته حين ينهي عمله و يستأسد شعوره بالوحدة والغربة ، ساقته خطواته بعيداً مضى غير مكترث لما قد توقعه فيه خطواته العمياء ، وتوقف فجأة ، لقد رأى ما لم يكن يتوقع ! كوخين متباعدين في أرضٍ مستصلحة من الغابة ، وأمام كل كوخ حوض من الماء وفرق من طيور غناء مغردة .
من الكوخ الأيسر ، تخرج غادة فاتنة ، ممشوقة القوام يتمايل معها شعرها الذهبي يمنة ويسرة ، كانت تتمغط كأنها قد خرجت لتوها من غفوة قصيرة ، اقتربت من الحوض الذي كان أمام كوخها ،غسلت وجهها فازدادت سحراً وجمالاً وجاذبية ، وبعد أن صفا الماء في الحوض صارت تطالع صورتها فيه وتعدّل من خصلات شعرها الذي افترش كتفها ممتداً إلى الأسفل في دلال وبهاء ، كانت تبالغ في زينتها حتى جزم وحيد أن أحداً يشاركها كوخها تعدّ له هذه الزينة ، أو يكون الكوخ الآخر لعشيقها ، ولكن ما داما عشيقين فلِمَ السكنى في خيمتين متباعدتين ؟إنه لأمر غريب!
أحس وحيد بنفسه غارقاً في سحر هذه الغادة الحسناء ، وملأه شعور بالفرح لأنه وجد أخيراً أثراً للحياة وأي أثر ! غادة ما كان يحلم بأن يرى مثلها ، ورافقه شعور آخر بالإحباط فالحسناء لغيره وليست له . إنها تجمع ثمار الأشجار في وعاء من الخشب ، تغسلها في عناية ورقة ، تأكل في شهية بالغة ثم تدلك وجهها ببقايا قشور الثمار وتدعك يديها الناعمتين بقشور الليمون والبرتقال ثم تعود لتغسل يديها و وجهها مطالعة على صفحة الماء في إعجاب جمالها الريان وسحرها الأخاذ .
وحيد مازال في مكانه ، هائماً في فتنة تلك الغادة التي يراها أمامه ، كأن مسّاً أصابه فجمّده حيث هو فلا إقدام ولا تراجع ، وأفكاره كثيرة تتناحر في عقله وتثير كوامنه ، خشخشة تأتي من الكوخ الآخر ، إذاً فقد تحرك الكائن الذي يقطن الكوخ الأيمن لينبئ عن نفسه .
يا إلهي ، إنها فتاة تخرج من الكوخ الآخر ، حسناء و صغيرة ، عودها ما زال طرياً و وجهها أشد براءه من طفل في مهده الأول ، لكنها تعمل في خفة و مرونة ، تزيل الأعشاب حول خيمتها وتجمع الثمار المتساقطة وهي تتمتم ثم تأخذ فأساً صغيراً في يدها ، لتقطع الأخشاب التي تحشدها في زاوية أمام كوخها ، وحين تنهي عملها ، تقبل على حوض الماء ، تنظف يديها و وجهها وتعدل هندامها ، ثم تعود لكوخها ثانية .إنه لا يدري الآن بم تشغل نفسها في كوخها الصغير لكنه غّير موضعه بضعة أمتار لمحها عبر زاوية باب الكوخ تقوم و تقعد ثم تعاود القيام فالسجود وترفع كفيها إلى السماء مبتهلة ، إذاً فهي في خلوة روحية مع ربها ، في انشغال ممتع برفيق دائم لا يملّ ولايُمل ، لا يبيد ولا يفنى !
تنهد وحيد بعمق ، أحس بأريجٍ روحي عطرٍ قادم من جهة اليمين ، ولفح نفسه شوق للنجوى مع خالق كريم ، واستمر يراقب الفتاة متوقعاً نهاية سريعة لهذه النجوى التي صار يسمع منها بقايا همهمات ، لكن الفتاة أطالت الغيبة عن عالمها المادي إلى عالم آخر لا يراه لكن يكاد يتحسس آثاره على سمات وجهها ، و أدار الطرف ثانية نحو غادة الكوخ اليسرى ، إنها ما زالت تلعب بشعرها ، ترفعه عن عنقها لتظهر جماله وتطالع نفسها في مرآة الماء ثم تنزله لتسرحه من جديد ، فتقدم منه جانباًً وتؤخر آخر ، تضع كحلتها وتمدها إلى أعلى عينيها لتزيدها أتساعاً وفتنة ، وتلبس أساورها فتضفي على منظرها لمعاناً وبريقاً ، ثم ترمي بجسدها البض على أريكة من عود الخيزران نصبتها خارج خيمتها وراحت في مناغاة مع البلابل والطيور تناغيها فتغرد وتغني لها فتزداد تغريداً وطرباً ، والأخرى ما زالت في غيبوبة عن عالمها .
تساؤلات كثيرة كانت تفرقع في ذهن وحيد ، من تكون هذه المرأة و من تكون الفتاة الملائكية البريئة وِلمَ تعيشان متباعدتين بهذا الشكل متناقضتين في كل شيء ! وقفل ترتطم في داخله المشاعر والتساؤلات وشعور بالفرح والسرور ، و إحساس بالفتنة و الإغراق ومسحة روحية بالغة ، وتعب شديد مسيطر حتى الثمالة .
وأعاد الكرة عدة أيام ، يقضي فراغه من بعيد مراقباً حال الكوخين وما يراه بالأمس يتوقعه اليوم ، حتى كاد يحفظ الظروف ويتوقع التصرفات فاليمنى في نسكٍ وعبادة واليسرى في انشغال دائم بذاتها تبحث عن اللذة والجمال وتدور في فلك الإعجاب بذاتها .
وتنبّه وحيد إلى حياته التي أخذت لوناً آخر منذ أن اكتشف الكوخين ، كيف تراجع الشعور بالوحدة إلى شعور آخر مزيج بين الأنس والدهشة والحيرة ، ورغبة متدافعة من الإقبال على الكوخين أو الهروب بعيداً عنهما وعن أي مجهول قد يحمله اندفاعه لهما ، لكن ذلك لم يطل كثيراً ، فقد أحست به اليسرى وصارت ترنو إليه بنظرات والهة تزداد دلالاً واختيالاً كلما لمحته وكأن النظرات بينها كانت سر اللقاء وينبوع الألفة ، تبتسم له فتجبره على أن يبادلها الابتسامة ، وتدور حول نفسها ليزداد سحرها ولوجاً في قلبه ، وتلين له الطرف ليكتسح افتتانها نفسه ، لكنه مع ذلك يقف حيث هو وإن اقترب فبخطوات مكسوفة متراجعة وما يزيدها ذلك إلا إصراراً على جرّه إليها كأنها تخشى عليه مسحة من مسحات فتاة الكوخ الأيمن ، اقتربت منه بخطوات واثقة تجر أذيال ثوبها المنفوش ، قالت في دلال من ثغر باسم :
_ هل لي أن أعرف اسمك أيها الغريب ؟
أجاب متلكئاً :
_ وحيد..اسمي وحيد..
ضحكت في ميوعة بالغة ..وعلقت :
_ غريب و وحيد .
وتمتم في نفسه :
_ وحائر أيضاً .
دارت حول نفسها في عجب و غرور ، فانتشر فستانها ليزيدها سحراً ثم رمت بنفسها على بساط الحشيش الأخضر متعمدة رفع جزء من فستانها لتكشف بعض مفاتنها ، ابتدرته :
_ لِمَ تقف هكذا ‍؟‍! ألا تشاركني الجلوس ؟!
ارتمى وحيد على الأعشاب غير شاعر بنفسه ولا بما يدور حوله ، وخيم صمت تغزوه نظرات والهة متبادلة ، قال وحيد ليكسر حاجز الصمت :
_ وأنت؟ِ ما اسمكِ ؟
ابتسمت .. وقالت في دلال وثقة :
_ ألم تعرفني !. أنا دنيا !
وأضافت :
_وهل هناك من لا يعرفني !
فتح عينيه في دهشة بالغة ، قال في افتتان :
_ دنيا .. أنت رائعة الجمال !
ردت عليه وهي تلعب في خصلات شعرها المتناثرة :
_ وكريمة أيضاً .
وخفضت نبراتها وهي تكمل :
_ كريمة فلا أرد ضيفي .. ها.. ما رأيك أن نأكل معاً ونمضي بقية يومنا هذا معاً ؟
* * *
دنيا باسمة الثغر ناعسة العينين ، ترقب وحيداً الذي افترشته بساطاً من خوص النخيل وضعت فوقه ما لذ وطاب من الثمار و الخضراوات ، وحيد يأكل ويمضغ جيداً كأنه يتذوق أكل هذه الجزيرة الساحرة لأول مرة فشتان بين أن يأكل المرء وحيداً أو يشاطره آخرون وجبة طعامه ... ، كان يبادل دنيا بسماتها ، لكنّ فكره بدا مشغولاً بعض الشيء ، وعينيه تطرفان بين الفينة والأخرى نحو الجانب الآخر حيث الفتاة الناسكة التي تشغل تفكيره رغم أنه لم يرها إلا غارقة في سماء عبادتها وكأن دنيا قد لاحظت عليه ذلك ، فأصابها مسّ من غيرة النساء التي تحول الكيان الهادئ إلى آخر مضطرب .. قالت عاتبه :
_ وحيد .. ما بك؟
أجابها متفاجئاً بسؤالها :
_ها.. لا شيء ..لا شيء ..
_ أتكذب عليّ ؟
_ مَن ، أنا ؟؟
سكتت ،أحس وحيد في عينيها الساحرتين قلقاً دفيناً ، ثم قالت في صوت رخيم ودود :
_ لقد رضيت بك يا وحيد خليلاً !
_ أنا !
قالها متعجباً ولم يضف ، بسطت إليه راحتي يديها الدقيقتين ، قالت :
_ تعال إليّ . ألا تريد أن تشاطرني كوخي ؟
ردّ في جرأة مفاجئة وبدون تفكير :
_ وكيف أستطيع رفض ذلك ؟
ابتسمت في خيلاء ، رفعت شعرها إلى الخلف ، قالت بدهاء :
_لكن الخليلة تشترط .. شرطاً واحداً لا غيره.
_ ماذا ؟
_ ألست أستحق ذلك ؟
_ بلى ..بلى .. ما شرطكِ يا دنيا ؟
_ أن تسجد لي !!
جفل في مكانه ، قال مستغرباً مستنكراً :
_ وهل أسجد إلا للذي خلقني ! ‍
ضحكت دنيا وفي خبث ردت :
_ ولدنيا أيضاً أيها الحبيب !
وأضافت وهي ترنو إليه بنظرة حانية مشوّقة :
_ إليّ ..إليّ .. يا وحيد ، فقد خُلقنا لبعضنا ، لن أتركك ولن تتركني ، سنكون لبعضنا فقط ! آه يا وحيد ، ما أشد حاجتك لي في هذه الجزيرة الخاوية ! وما أشد ولعي بك ! وما أروع أن نبقى معاً !.. ..إليّ..إليّ
دنيا تواصل في نداءاتها ، وحيد يهرب من لدنها خطوة بعد خطوة ، ويشعر في صوتها فحيح ثعبانٍ طاغٍ وفي عينيها الفاتنتين مكر ثعلب سغب ، إنه يهرب بعيداً ، يخترق جدار النخيل والأشجار في صعوبة بالغة ، يصطدم بشجرة ويقع في كومة من الأغصان ثم يعاود القيام ، ينهض بعد قعود ويصطدم ثانية ، يسيل منه الدم ، يشعر بحرقة الجروح و شقاء الهروب ، يخترق الإرهاق عظامه وعضلاته ، يكاد يشعر بخور شديد في قواه ، وكأنه يصارع من أجل خطوة أو خطوتين للأمام وأشياء كثيرة مبهمة تشدّه للوراء ، لكنه يتقدم بصعوبة وهو لأول مرة يلحظ عيون الأشجار تراقبه وتتابع أنفاسه لكنه لا يدري أتسخر منه أم تعتب عليه أم تشاركه الحيرة وتسعفه الهروب ، عظامه ترتطم ببعضها ، وعضلاته تشد نفسها في عنف والعرق يتصبب كأنه عصارة اللحظات القاسية ، ارتطم بجذع شجرة ، سقط حيث ارتطم وراح في غيبوبة.
يد غريبة تمسح جبينه ، توقظه من سباته ، وتنتشله من منامه وهو يعاندها ، ففي الرقاد لذة الهدوء وملاذ الحائر إلى شاطئ أمان ، لكنّ اليد تهزه ، والصوت يناديه في صرامة :
_ وحيد .. وحيد .. وحيد ..
ردّ وحيد في حنقٍ وخدرٍ شديد :
_ أوه ، من أنت ؟ .. ماذا تريد ؟
_ ستعرفني لكن !.. لكن ما أريد هو إنقاذك .
تنفس وحيد في عمق .. قال :
_ تنقذني ؟ مِمَ ؟
_ من دنيا !
_ دنيا .. تنقذني منها .. يا للغرابة .. وهل تنقذني ممن نذرت نفسها لي في جزيرة موحشة .
ضحك الهاتف ، قهقهته ترتطم بطبلتي أذني وحيد فتفرقع بينهما مخاوف كثيرة . قال الهاتف :
_ نذرت نفسها لك ؟ إنها تخدعك .. تغرر بك !
_ كيف ؟
_ ألم تطلب منك أن تسجد لها !
_ .. آه .. تذكرت .. لقد ذهلتني عن نفسي بكلمتها تلك !
_ فكر قبل أن تسلمها القياد ، إنها تنوي استعبادك ، تسجد لها أي تعبدها ، هل فهمت تكون لها عبداً ، عبداً ، عبداً.
_معاذ الله أن أكون لها عبداً !
_ سوف تأخذ منك غاياتها منك ثم ترميك عظماً ، لن تشبع منها أبداً في حين تشبع هي منك وتسأم صحبتك ، تشيب أنت منها ويمضي وطرك في حبها وتبقى هي في ريعان الشباب ، تستبدلك بغيرك ، ففي كل وقت لها خليل ولكل لحظة من شبابها عشيق .
_ يا إلهي .. و هل تقدر على ذلك ؟!
_ إن مكنتها نفسك تستطيع ، فهي سيدة العبيد وجارية السادة !
صاح وحيد في احتراق كمن فقد الأنيس والسلوى بعد طول بحث وقال :
_ لكني بحاجة إليها ..ألا تفهم ذلك فأنا وحيد وحيد ..
_ لا..أبداً لست وحيداً يا وحيد !
_ كيف !
_ أنظر إلى الكوخ الآخر ، هناك على اليمين ، تجد فردوس الطاهرة النقية .
_ ماذا ؟ أتـقصد الفتاة الناسكة ؟
_ هي بعينها .
لكنها مجرد فتاة ، فتاة لم تبلغ بعد ، أما دنيا ففي ريعان الأنوثة و وفرة الشباب .
_ دنيا تفنيك أما فردوس فهي تأخذ بك إلى الخلد.
_ الخلد ..إنه غاية حقيقية..لكن كيف تدعوني إلى الصبر سنوات حتى تكبر هذه الفتاة الحسناء العابدة؟
_ ولِمَ لا ما دامت تحمل لك الخلود !، وهل عاقل يبيع الخلد بسنوات قلائل من اللذة الفانية.
_ صدقت .. صدقت..لكن دنيا ساحرة .. تغريني بمختلف الإغراءات .
_ إن صاحبت فردوس فلن يكون لها عليك سلطان لأن فردوس ستملؤك قوة من رياض عالمها الروحي .
_ آه.. ذكرتني ، كم هو جميل تبتل تلك الطاهرة إلى ربها ، لقد أيقظت فيّ حبّ الله والنجوى إليه وجعلتني أعيش لحظات من الزلفى إلى خالق السماوات والأراضين .
_ إذاً فقد بدأت تفهم يا وحيد ؟
_ ليس تماماً فأنت لم تقل لي كيف أتقرب إلى فردوس وهي لا تعيرني انتباهاً ذاهلة عني وعن كل شيء في عالم ملكوت الله .
_ شاركها عالمها الذي ذهلت به عنك وسرعان ما تسبحان حقا في عالم واحد دائم وحقيقي .
أفاق وحيد من غيبوبته ، يبحث صاحبه فلا يرى إلا أنفاس الكائنات النائمة في سبات ، تنفس الصعداء ، أحس بأنفاسه تخرج من جسم مرضوض العضلات خائر القوى ، تذكر الساعات الماضية، سرح مفكراً ، تائهاً وتمتم بعد إغراق طويل:
_ الحمد لله ،الحمد لله ..
وتبتل كثيرا .ً
* * *
حين رأتهما دنيا معاً ، تجرعت كأس الهزيمة و ثملت حتى تغيب عن ميدان هزيمتها النكراء ، فهما معاً متناغمان في جو روحاني بغيض إليها وهي وحيدة والوحدة تقتلها ، نفضت نفسها كأنها تزيل عن بدنها درناً عالقاً ، مشت الهوينا نحوهما ، قالت في انكسار تناديه :
_ وحيد..وحيد
وحيد يغلق أسماعه عن نداءاتها ، يترفع عن مجاراة فتنتها وجمالها وهي تواصل النداء ، فتزداد ذلاً وانكساراً حتى لقد ذبل عودها الفارع ، لكنها ما زالت تنادي ولا تمل ..، لقد أزعجته بنداءاتها ،أجابها عن بعد:
_ ماذا تريدين يا دنيا .
ردت بعد تردد شديد :
_ أتقبلني جارية يا وحيد ؟
_ جارية؟ أنت يا دنيا؟!
_ نعم .
_ قد كنت تطلبينني عبداً !
_ لكنك رفضت فهل ترفض أن أكون لك جارية؟
ابتسم وحيد ، قال في ثقة المنتصر:
ما دمت لن أسجد لك ، لن أخضع لغرورك ، فأهلاً وسهلاً بك يا دنيا .
نجيبة السيد علي
عن المجموعة القصصية "لقاء مع الماضي"
ل/منصور آل سيف ونجيبةالسيد علي
الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 16-05-2001, 05:10 PM
عمر مطر عمر مطر غير متصل
خرج ولم يعد
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2000
المشاركات: 2,620
Post

مرحبا بالثنائي،

لا نزال ننتظركما منذ القصة الأولى.

أهلا وسهلا.


أحببت أن أرحب قبل أن أقرأ القصة الجديدة، وعندما أقرأها سيكون هناك تعليق آخر..
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م