أستاذنا المخلص،
كم سعدت بقراءة قصيدتك، ولا شك أن القصائد تحكي شيئا من شخصية الشاعر، ولكم أحببت أن أطلع على بعض ٍ منك فها نحن.
القصيدة تمتاز بجزالة الألفاظ وهذا ما نتوقعه من خبير باللغة مثلك، وإن لم يسخـِّر أهل اللغة الألفاظ لصالحهم فمن عساه يفعل.
روي القاف دائما ينمّ عن قلق وغموض -إلا في قصيدة السلاف النعناع والحبق- ونجد قصيدتك تمشي على هذه الفرضية من القلق والخوف والغموض، حتى أنها تستدرج القارئ إلى الوقوع في متاهة غموضها وقلقها.
لا شك أن لهذه القصيدة عشرات الأبعاد، كل قارئ يراها على خلفية من صياغته الخاصة، ولكني ألتزم فيها البعد القريب وهو يتلخص في "قتل الهوى".
القصيدة مليئة بالصور المركبة الغامضة الجميلة، وهي بذاتها ترتقي بذوق القارئ، وتحثه على التدبر، ولا يكاد يخلو بيت من صورة تعمل فيها العقل والقلب معا.
وأرى من أجمل الصور، والتي ركبت مرة بعد مرة صورة الملامة، حيث تشبهها بالنار العظيمة التي تتأجج في قفر، هو هنا الندم، حتى أن هذه النار بتأججها وعظمها أنستك نشوة الموت التي تعصف بالجسد قبل أن تقبض الروح، وهذا من عظيم المبالغة والبلاغة، فلله درك.
ثم تابعت وصفك للنار (الملامة) بأنها تضطرم، وتشفي غليلها بإزهاق نفسك عبثا، أي أنها لن تكسب شيئا من إزهاقها إلا أنها تزهقها عبثا.
وتمضي بوصف تلك النار، فتخبرنا بأنها اثاقلت على الأرض كتلتها ولكن اللهب يمتدّ خارجها بألسنة رؤوسها كطلع الحسك (الشوك)، تنير ما حولها حتى أنها تذهب بظلمة الغسق وتواري سوءة ما أخفى.
يكفينا من القصيدة هذه المقاطع لمعرفة قدرة الشاعر، ولولا أن المقام لا يحتمل الإطالة لغصنا في أعماقها وكشفنا بعض ما وقر في خباياها.
تحية مني إليك أخي المخلص ولا تحرمنا من أمثالها.
ملاحظة صغيرة قبل أن أنهي، إن كان قولك: "تشفّ غليلها" مأخوذ من شفى غليله على صيغة فعـّل، فأرى أن الأولى أن تقول تشفـّي غليلها، ولعلي أخطأت بأن تكون من شفّ، كما يقال شفه الوجد، فأرجو التوضيح.
أخوكم عمر مطر